‫الرئيسية‬ مقالات فن الغزل في تاريخ الأدب /المدربة أمل محمد حيدر.
مقالات - 2020-04-24

فن الغزل في تاريخ الأدب /المدربة أمل محمد حيدر.

عرفَ الإرثُ العربيُّ الغزلَ كموضوعٍ أساسيّ، فشغلَ الغزلُ مساحة مهمةً من النّتاجِ الأدبيِّ في مختلفِ العصور. ففي العصرِ الجاهليّ كان الغزلُ غايةً لغويّةً وأدبيّةً بحدِّ ذاتهِ فاشتهرت قصائدُ الحُبِّ والغزَلِ لا سيما تلكَ الّتي تفرَّدت بوصف الوَله. فكانَ الغزلُ أسلوبَ وصلٍ وتقرُّبٍ وجذبٍ للمعشوقة، سواءً بعذريّته أو بإباحيّته.
و كانت أنماطُهُ مختلفة:
غزلُ المطالع كقولِ المثقَّب العبدي:
أفاطم! قبل بينك متّعيني ومنعك ما سألتك أن تبيني
فلا تعِدي مواعد كاذباتٍ تمر بها رياح الصّيفِ دوني
فإنّي لو تخالفني شمالي خلافك ما وصلتُ بها يميني
إذًا لقطعتها ولقلت: بيني كذلك أجتوي من يجتويني

الغزل العفيف أو البدوي: الّذي اشتهر به قيس بن الملوّح وقيس بن ذريح وجميل بثينة الذي قال:
حلفت لكي تعلمن أني صادق و للصّدق خير في الأمور وأنجحُ
لتكلّم يوم من بثينة واحد ورؤيتها عندي ألذ وأملح

الغزل الصّريح، وزعيمه امرؤ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوب وشمألِ

و قد استمرَّ الغزل في عصر صدر الإسلام، فلم يبرأ كل الشعراء من هوى الجاهليّة رغم التهديد من أولياء الأمر والخلفاء فكان سحيح، وعبد بني الحسحاس وذهب بعض الشعراء لاستعمال الكناية والترميز في المعنى كحميد بن ثور الهلالي الذي عايش الجاهلية والإسلام ووصفه الأصمعي من الفصحاء الأربع في الشعر العربي وهو القائل:
حلف برب الراقصات إلى منى زفيفًا وربِّ الواقفين على الجبلْ
لو أنّ لي دنيا وما عدلت به وحمل لغيري ما أردت سوى حمل
فكان عصر الإسلام مهذبًا مؤدبًا للمصطلحات والغزل والأسلوب.
وفي ظلّ الإزدهار الذي عايشه المجتمع الأموي وانتشار مجالس الغناء والطَّرب فكان الغزل فنًّا مستقلًا ونوعًا شعريًا متفردًا. وعاد الغزل بأنواعه البدوي (العذري) والحَضري (الإباحي) والغزل التقليدي. ومن أكثر البيوت شهرةً في هذا العصر لعمر بن أبي ربيعة:
سلام عليها ما أحبّت سلامنا فإن كرهته فالسّلام على أُخرى
ما يدل على صحوة جديدة في الشّعر الغزلي وعدم الإكتفاء بِحَبيبَةٍ واحِدة…

أمّا في العصر العباسي ونسبةً لما عرفه هذا العصر من انتشار فنّي، وتنوُّع في الثَّقافات وانفتاح على ثقافات أُخرى، فجاء الإبداع العربي متألِّقًا فكان أبو فراس الحمداني خير مثال لما وصل له الشِّعر لا سيما الغزلي في هذا العصر :
وحاربت قومي في هواها وإنهم و إياي لولا حبك الماء والخمر
وما كان للأحزان ولاك مسلك إلى القلب لكنّ الهوى للبلى جسر
فجاء العصر الحديث، حاملًا شعلة الغزل فزاد اتِّقادها وتنوعت صورهُ وتعدَّدت أساليبه وكأنّه عصر أبى إلا أنه يجمع كل ما سبقه، فجاء غالبهم يربط بين الأرض والمرأة. فنستذكر شاعر الحب والأم نزار قباني الذي قال:
قادم من مدائن الريح وحدي فاحتضني، كالطفل، يا قاسيون
احتضنّي … ولا تناقش جنوني ذروة العقل يا حبيبي الجنون
احتضنّي … خمسين ألفًا وألفًا فمع الضم لا يجوز السكون
وهكذا كان الحب والغزل ممتدًا في العصور العربية من جاهليتها حتى حداثتها، من هوى يهوي بصاحبه فيتلقفه شِعرًا يدميه، وبين غموض وكأنه شفرة يصعب حلها رغم كل من حاول فهو الذي وصفه أعرابي: ” هو أظهر من أن يخفى، وأخفى من أن يرى، كامن كموت النار في الجمر إن قدحته أورى، و إن تركته توارى”.

‫شاهد أيضًا‬

الماندلا ضمن فاعليات دبلوم إعداد المرشد التربوي

متابعة شعيب زكريا بجو حماسي وتنافسي رائع انطلقت مسابقة رسم الماندلا ضمن فاعليات دبلوم إعدا…