نكمل في سلسلة الحقوق الزوجية
وجاء دور الحق الثالث من الحقوق المشتركة بين الزوجين ألا وهو :

[ الصيانة والغيرة ] :
وتفصيله كالآتي :

من الحقوق المشتركة بين الزوجين أن يصون أحدهما الآخر من كل مايخدش الشرف ، ويتنافى مع الكرامة الإنسانية ، وأن يحرص كل واحد منهما علي أن يكون محل إحترام وتكريم وإكبار إذا ماانتُسِبَ إلي صاحبه ،
لأن الرجل يشرف بإنتساب الزوجة الصالحة إليه ،
والزوجة كذلك تسعد بإنتسابها إلى الرجل صاحب الخُلُق الفاضل ، والسلوك القويم ، والسمعة الطيبة ، والعلم الوفير النافع .
والغيرة سواء على الزوج أو الزوجة طبيعة في الإنسان ،
فمن طبيعة الزوجة السوية أنها تغار على زوجها ،
وكذلك الزوج السوي يغار علي زوجته .

والغيرة تكون محمودة :
إذا كانت من أجل إحقاق الحق ، وإعلاء شأن الفضائل ومكارم الأخلاق ، والتي تكون إذا ما ارتُكِبَت أو انتُهِكَت محارم الله – عز وجل.

وتكون مذمومة إذا كانت من أجل الباطل وسوء الظن دون مبرر .

فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: [ إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يفعل العبد ما حرَّمه الله ].

وفي الصحيحين عن سعد بن عبادة – رضي الله عنه – قال: يارسول الله لو وجدت مع أهلي رجلاً أأتركه حتى آتي بأربعة شهداء ؟ كلا والذي بعثك بالحق إني لأعاجله بالسيف .. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: [ اسمعوا إلى مايقول سيّدكم إنه لغيور ، وأنا أغير منه، والله أغير مني ] .

فهذه الأحاديث يتبيَّن من خلالها أن المؤمن يغار إذا انتُهِكت محارم الله، كأن تتجرأ زوجته على ما حرم الله، فتفعله، أو يترك أهل بيته الصلاة، أو ما أمر الله به.
أو يغار الرجل على زوجته غيرة يصونها بها ويحفظها معها من كلِّ ما يَخدِش شرفها، ويَمتَهِن كرامتها، وهذا من صفات المؤمنين.

إذاً هناك أمر مهم،
وهناك ضابط ينبغي الوقوف عليه عند الكلام على الغيرة وهو :

( أنه ينبغي أن تكون هذه الغيرة عند كل من الزوجين محمودة، وهي الحسنة بين السيئتين، والوسط بين الطرفين ) ..
أما الإفراط في الغيرة أو التفريط، فهذا أمر مذموم غير محمود.

من علامات محبة الرجل للزوجة :

أن يغار عليها، ويحفظها، ويصونها،
والمرأة تحب أن ترى من زوجها هذه الغَيْرة،
فهي تريد أن تشعر بأن لها رجلاً يغار عليها ويحميها،
وما أتعس المرأة إذا شعرت أن زوجها لا يبالي بها ولا يغار عليها،

فإذا كانت الغيرة من أهم مميزات المرأة ومن صفاتها، فهي كذلك من أهم سمات الزوج المحب، وكان كرام الرجال ( يُمتدحون) بالغيرة على نسائهم، والمحافظة عليهن .

فإذا كان هناك تفريط في الغيرة يصبح الرجل دَيُّوثًا،

فعن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
[ثلاثةٌ لا يدخلون الجنَّةَ أبدًا: الدَّيوثُ، والرَّجلة من النِّساءِ، ومدمنُ الخمرِ] ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، أمَّا مدمنُ الخمرِ فقد عرفناه -فهو الذي يداوم علي شربها – ، فما الدَّيوثُ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : [ من لا يُبالي من دخل على أهلِه ]، قالوا : فما الرَّجُلةُ من النِّساءِ؟ قال:[ الَّتي تتشبَّهُ بالرِّجالِ ] .

والرجل الديُّوث هو الذي لا يغار على أهله، أو يُقِر في أهله الخُبث،
فيترك زوجته بلا حجاب، كاشفة عن جسدها، وعن شعرها لكل من أراد أن ينظر، وبهذا يجعل الزوج زوجته سلعة رخيصة، ولحمًا مباحًا لكل من أراد أن ينهش فيه بعينه،

فلا خير فيمن لا يغار على أهل بيته، ولا يهتم .. دخل من دخل، وخرج مَن خرج .. لبست زوجته الحجاب أو خلعته .. ينظر إليها وهي تشاهد ما يندى له الجبين في الفضائيات، وعلى التلفاز، ولا يتحرك فيه ساكن.

يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: ” بلغني أن نساءكم يزاحمن العلوج في الأسواق، ألا تغارون؟ إنه لا خير فيمن لا يغار “.
والعُلوج: جمعُ عِلْج، وهو الرجل القوي الضخم

وعن جابر بن عُتَيك رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان. يقول :
[ ِمنَ الغَيرةِ ما يحبُّ اللَّهُ ومِنها ما يُبغِضُه اللَّهُ، فأمَّا الَّتي يحبُّها اللَّهُ فالغيرةُ في الرِّيبةِ،
وأمَّا الَّتي يُبغِضُها اللَّهُ فالغَيرةُ في غيرِ ريبةٍ ] .

النوع الثاني:
الغيرة المذمومة (الإفراط في الغيرة):

فالإسراف في الغيرة يؤدي إلى احتراق البيت بنارها الموقدة، وإلي فقدان الثقة المتبادلة بين الرجل وامرأته، فتجد الرجل لفرط الغيرة يمنع زوجته من الخروج، ومن المكالمات التليفونية، ومن استقبال قريباتها وصديقاتها، ويغلق نوافذ البيت وأبوابه، ويتجسس على أوراقها، يسيء الظن بها، ويأتي البيت على حين غفلة،
وهذا كله يجعل الزوج يعيش مهمومًا حيرانًا مغمومًا مُعَذّبًا، بل يكون هذا الزوج سببًا لجعل زوجته محل الشك في نظر الناس وتُرمى بالسوء.
وصدق علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – حيث قال: ” لا تكثر الغيرة على أهلك، فَتُرمَى بالسوء من أجلك”.

وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
[وأمَّا الَّتي يُبغِضُها اللَّهُ فالغَيرةُ في غيرِ ريبةٍ ] .

• وهناك من الزوجات التي تغار من نجاح زوجها؛ وذلك خوفًا أن يبعده هذا النجاح عنها، فتعمل على تعطيل هذا النجاح، وفي الخفض من قيمة الزوج في نظر الآخرين؛
لذا كان من نصائح سلفنا الصالح لبناتهنَّ في ليلة الزفاف:
البُعد عن تلك الغيرة المدمرة،

فأوصى عبدالله بن جعفر – رحمه الله – ابنته في ليلة زفافها قائلاً لها: “إياكِ والغيرة؛ فإنها مفتاح الطلاق، وإياكِ وكثرة العتب؛ فإنه يورث البغضاء، وعليكِ بالزينة؛ وأزين الزينة الكحل ، وعليكِ بالطيب ؛ وأطيب الطِّيب إسباغ الوضوء “.

فينبغي على المرأة ألا تكون شديدة الغيرة؛ لأن هذا يُشعِل في صدرها نارًا، تُشعِل جيوش الظن والشكوك، فتُحِيل حياة الأسرة إلى جحيم لا يطاق،
وانظر كيف دعا النبي – صلى الله عليه وسلم – لأم سلمة أن يُذهب الله عنها الغيرة لَمَّا أعلمته أنها شديدة الغيرة، ولعلم النبي – صلى الله عليه وسلم – أن هذا يؤثر على استقرار الحياة الزوجية؛
فقد أخرج الإمام أحمد – بسند صحيح – عن أم سلمة، قالت للنبي – صلى الله عليه وسلم -: ” ولكني امرأة في غيرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئًا يُعذبني الله به، فقال لها النبي – صلى الله عليه وسلم -:
[ أما ما ذكرتِ من غيرتك، فسوف يُذهِبها الله – عز وجل – عنكِ ] .
وفي رواية النسائي: [ فأدعو الله – عز وجل – فيُذهِب غيرتك].
وأخرج النسائي – بإسناد صحيح – عن أنس بن مالك – رضي الله عنه -: “قالوا: يا رسول الله، ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال: [ إن فيهم لغيرةً شديدة ].

النوع الثالث: الغيرة المعتدلة:
وهي الوسط بين الطرفين،
والحسنة بين السيئتين:

وهذه الغيرة مطلوبة؛ حيث تشعل المحبة ، فالغيرة المعتدلة في الحياة الزوجية كالملح في الطعام،
فالغيرة إذا كانت في موضعها، فهي صحة وعافية، والاعتدال فيها من الرجال والنساء من جملة الأمور المحمودة والمعاشرة بالمعروف ،

وإذا أردنا أن نضرب لذلك أمثلة،
فلا نجد إلا حبيبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكيف كانت تغار على سيد الخلق وحبيب الحق؛

فقد أخرج البخاري عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: ” كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عند بعض نسائه – وفي رواية: عائشة – فأرسلت إليه إحدى أمهات المؤمنين – وفي رواية: أم سلمة، وفي أخرى: صفية – بصَحْفَة فيها طعام، فضربت التي هو في بيتها يد الخادم، فسقطت الصَّحْفَة، فانفلقت،
فجمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فِلَق الصَّحْفَة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: [ غارت أمكم، غارت أمكم ]، ثم حبس الخادم، حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفعها إلى التي كُسِرت صَحْفَتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسَرتها”.

وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة – رضي الله عنها -: “أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خرج من عندها ليلاً، فقالت: فغِرت عليه أن يكون أتى بعض نسائه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: [ أغرتِ؟ ]، فقلت: وهل مثلي لا تغار على مثلك؟”، فقال – صلى الله عليه وسلم -: [ لقد جاءك شيطانك ] ، قلت: أَوَ مَعِيَ شيطان؟ قال: [ ليس أحد إلا ومعه شيطان ] ، قلت: ومعك، قال: [ نعم، ولكن أعانني الله عليه، فأسلم ] .

وعند البخاري ومسلم عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
” كنت أغار من اللاتي وهبْن أنفسهن لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقلت: أتهب نفسها؟ فلما أنزل الله – تعالى -: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 51]؛ قلتُ: ما أرى ربَّك إلا يُسارع في هواك”.

* والخلاصة :

أن الغيرة تكون محمودة إذا كانت في حدود الإعتدال ، ومن أجل الدفاع عن الفضائل، وعن مكارم الأخلاق ،
وتكون مذمومة إذا كان دافعها سوء الظن ، واتباع التهم الكاذبة والإشاعات الباطلة .

وما أحكم قول الرسول صلي الله عليه وسلم :
[ لايفرك مؤمن مؤمنة – أي لايكره مؤمن مؤمنة – فإنه إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر ] .

ونكمل باقي الحقوق الزوجية في المقالات القادمة بإذن الله

بسمة أحمد عبد الرؤوف
باحثة عن النور

‫شاهد أيضًا‬

أيمن بكري يكتب أُسس التوافق و الخلاف الأسري

بقلم / أيمن بكري  تمعنت كثيراً في الحقب الزمنية المختلفة مقارناً بين سلوكيات العامة في الع…