نكمل في سلسلة الحقوق الزوجية بالحق الرابع من الحقوق المشتركة بين الزوجين ألا وهو :

« أن يعين كل منهما صاحبه على طاعة الله »:

فعلى الزوج أن يكون خير مُعين للزوجة، وعلى الزوجة أن تكون خير معين للزوج على أمر دينه ودنياه، فيعين كل منهما الآخر على قراءة القرآن أو حفظه ، وطلب العلم الشرعي، والدعوة إلى الله ،

فعلى الزوجين أن يمتثلا لقوله – تعالى -:

﴿ وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [يونس: 87]،
وليرفعوا شعار: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2].

فعن عائشة أم المؤمنين رضوان الله عليها قالت :
[ كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ. ]
وفي الحديثِ: حثُّ الرَّجلِ أهلَه وتَشجيعُه إيَّاهم على أداءِ النَّوافلِ والعباداتِ.

وعن ثوبان – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: [ ليتخذ أحدكم قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجة مؤمنة تُعينه على أمر الآخرة ].

وقال تعالي :

{ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } [طه: 132]

يقول الشيخ الشعراوي في خواطره:

فقوله تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ } لتستقيم الوحدة الأولى في بناء الكون،
والمسألة هنا لا تقتصر على مجرد الأمر وتنتهي مسئوليته عند هذا الحدِّ إنما { وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا }
لأن في الصلاة مشقة تحتاج إلى صبر، فالصلاة تحتاج إلى وقت تأخذه من حركة الحياة التي هي سبب الخير والنفْع لك، فلا بُدَّ ـ إذن ـ من صبر عليها.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: [رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته فصلَّت، فإن أبت نضَح في وجهها الماء، ورحم الله امرأةً قامت من الليل فصلت، وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء ]

وكان أبو هريرة – رضي الله عنه – راوي هذا الحديث، يُطبق هذا على نفسه وأهله؛ فقد ورد :
“أنه كان يقوم ثُلُث الليل، ثم يوقظ امرأته فتقوم ثلثه، ثم يوقظ ابنته لتقوم ثلثه”

” وكان سيدنا عمر ـ رضي الله عنه ـ يقوم من الليل يصلي ما شاء الله له أنْ يصلي حتى يؤذن للفجر، فيُوقظ أهله للصلاة فإنْ أبَوْا رَشَّ في وجوههم الماء “
لأن الصلاة خَيْر من النوم، فالنوم في مثل هذا الوقت فيه راحة للبدن، أمّا الصلاة فهي أفضل وأعظم، ويكفي أنك تكون فيها في حضرة الله تعالى.

وعن أبي سعيد الخدري –
رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :
[ مَن استَيقظَ مِن اللَّيلِ وأيقظَ امرأتَهُ فصلَّيا ركعتَينِ جميعًا كُتِبا مِن الذَّاكرينَ اللَّهَ كثيرًا والذَّاكراتِ ]

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه
أنَّهُ: سَمِعَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ:

[ كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ في أهْلِهِ رَاعٍ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وهي مَسْئُولَةٌ عن رَعِيَّتِهَا، والخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ ].
ففي الحديث: وُجوبُ القيامِ بِحَقِّ الرَّعيَّةِ وإرْشادِهِم لِمَصالِحِهم الدِّينيَّةِ والدُّنْيَويَّةِ، ورَدْعِهِم عمَّا يَضُرُّهم في دينِهم ودُنْياهُم.

فيكون الرجل مسئولا عن أهل بيته:

تربيةً وتعليماً وتهذيباً وتقويماً؛

ولذا ينبغي عليه الأخذ بهم عن طريق الدنايا، والابتعاد عن مواطن الرِّيب، وتوفير ما يحتاجونه من سكن وطعام وشراب ولباس، كل ذلك في غير تقتير ولا إسراف، وليكن في بيته عيناً راعية، وأذناً واعية، يتفقد الأمور، ويتحرى المصالح، ويقيم العدل في رعايا مملكته الصغيرة،
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6).

أما عن مسئولية المرأة :

فتكون المرأة مسئولة في بيت زوجها، عن خدمة ورعاية زوجها، وتربية وإصلاح أبنائها، مع كونها حكيمة صبورة مدبّرة، وعلى المال قائمة راعية حافظة له منمّية.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: [ مَن رزقه الله امرأةً صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتَّق الله في الشطر الثاني ]

فعلي الزوجة أن تُعين زوجها على أكل الحلال، فلا تُحمله فوق طاقته، بل تقول له كما كانت تقول المرأة قديمًا لزوجها: “اتَّق الله فينا، ولا تُطعمنا إلا حلالاً، فإننا نصبر على الجوع، ولا نصبر على نار جهنم”.
• وعلي الزوج أن يجتهد في إطعام أهل بيته الحلال الطيب، ويحتسب ذلك؛ حتى يؤجر عليه.

وكذلك علي الزوجة أن تُعِف زوجها، فلا تمتنع عنه إذا دعاها إلى الفراش بدون عذر لها أو بدون مانع شرعي يمنعها ، وأن يُحسن الزوج النية في العلاقة الخاصة بينهما حتى يؤجر، وصدق الحبيب – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: ((وفي بُضْع أحدكم صدقة)).

يقول الإمام الغزالي في كتابه ( إحياء علوم الدين / ج ٢ ) فيما علي الزوج :

( أن يتعلم المتزوج من علم الحيض وأحكامه مايحترز به الإحتراز الواجب
ويُعَلِّم زوجته أحكام الصلاة ، ومايقضي منها في الحيض ومالا يقضي ، فإنه أُمِرَ بأن يقيها النار بقوله تعالي { قُوا أنفُسَكم وأهليكم ناراً } .
فعليه أن يُلقِّنها اعتقاد أهل السنة ، ويزيل عن قلبها كل بدعة إن استمعت إليها ، ويُخَوِفها في الله إن تساهلت في أمر الدين ، ويُعلمها من أحكام الحيض والإستحاضة ماتحتاج إليه .)

والخلاصة :

أنه علي الزوجين أن يعينا بعضهما علي طاعة الله وعلي رضاه وتقواه تعالي ، وعلي ذكر الله ، وعلي قراءة القرآن وعلي تدبره وفهم معانيه ،
و كذلك إذا حفظ أحد من الزوجين وِرده من القرآن فيقرأه على الآخر، وهكذا يكون البيت المسلم مكانًا للذكر بأنواعه؛ سواء ذِكر القلب، وذكر اللسان، أو الصلوات، وقراءة القرآن، أو مذاكرة العلم الشرعي .

بسمة أحمد عبد الرؤوف
باحثة عن النور

‫شاهد أيضًا‬

أيمن بكري يكتب أُسس التوافق و الخلاف الأسري

بقلم / أيمن بكري  تمعنت كثيراً في الحقب الزمنية المختلفة مقارناً بين سلوكيات العامة في الع…