إِنْتَصَفْ الليل..
ما زالت تتقلب على الفراش وعيونها مُعَلقْة بالسقف، يملأ جوفها الخوف، أسيأتي اليوم، أم سيتركني اَنْعَمْ بنومٍ هادئ ؟!
تُغَالبْ النوم بكل ما تملك من قواها المُنْهَكة، إلى أنْ تُغلقْ عينيها من شدة الإرهاق، تصبح دُمية ما بين يديه في كوابيس لا تُطاق ولا تُحْتمل، وما أن تَدُقْ الساعة الثانية والنصف صباحا” تفتح أعينها عُنوة، ويتملك منها الفَزَعْ، تشعر بأنفاسه الحارقة تُلامسْ وجهها وتَرتعد أوصالها، تُردد ما تحفظه من أدعية وأيات ليذهب ويدعها في سلام، تظل هكذا إلى أن يكسر الصمت صوت أذان الفجر، تتنفس الصعداء وتنام..
تتسلل أشعة الشمس إلى غرفتها وتصحو مُنْهَكة، تبحث هنا وهنا عن علامات إقتحامه لخصوصية جسدها، زُرقة في الرقبة، فُتِجَ سحاب قميصها إلى منتهاه ، اَغْتصبَ طهارتها ليلا” وهي لا تملك من أمرها شئ..
تترك الفراش وهي مُمتعضة، مُهلكة، تبدأ يومها المُملً بفنجان من القهوة، تُشاركه تفاصيل ليلتها السابقة، وهكذا الحال كل يوم..
سؤال حالها لنفسها متى سينتهي ذاك الكابوس ؟! متى ستتخلص من عشقه لها ؟! ما كانت تُؤمن يوما” أنْ هناك جَنً عاشق، سمعت كثيرا” عن ذلك ولكن كانت تأخذ الأمر على مَحْمَلْ الهَذْلْ وتقول مجرد أساطير، مع إيمانها بوجوده، الجَنً ذُكِرَ في كتاب الرحمن، وفي كل الأديان، ولكن كانت تقول كيف لجَنً أنْ يعشق بشر ؟! ، إلى أنْ اصابتها تلك اللعنة وأصبحت أسيرة وامتثلت لحكم القضاء والقدر..
ولكن إلى متى ستتحمل ؟! اَخْتَلْ ميزان حياتها وأصبحت وحيدة لا تستطيع الإقتران ببشر..
كانت جميلة، وجهها تُنيره ضحكة كساها ضوء القمر، روحها ولا أجمل، عيونها بها سحر هاروت وماروت، ما رأها بشر إلأ وذاب عشقا” لها، ومن اجلها تعذب ولعشقها ما اثمرْ، دوما” يُسْدلْ ذاك الملعون السَتارْ على كل الحكايا، يؤذيهم بلا رحمة، فإما أن يبتعدوا هُمْ، أو تبتعد هي حتى لا تسبب لهم الأذى..
ما كان يعنيها أمرهم، فلم يَمَسْ أحدٌ منهم للقلب وَتَرْ، كانوا مُجردْ فُرصْ لكسر العُزلةو الوحدة التي أدمتها..
كان يتلذذ في الإقتصاص منهم، لجرأتهم على إقتحام حياة معشوقته، منهم من قَلبَ حياته راسا” على عَقِبْ، ومنهم من أذاه في الجسد، ومنهم من ملآه بُغْضْ فيها وهَربْ، ولكن أكثر حكاية كان لها العَجَبْ !!
ذاك الطيب الودود، كان دوما” مُبتسمْ، مَرحْ الروح ولا أجمل، كان عاشقا” لها وصَرحْ بعشقه، اَلحً على لقائهاو ترددت دوما”، فهي تعلم النهاية مسبقا”، و لكن قالت لما لأ ؟! سَاُجَربْ، قابلته بعد غروب الشمس وقضيا وقتا” ولا اجمل ، طلب الزواج منها ودعاها للذهاب إلى عقد القرآن فورا”، ولكنها قالت له لا تَتَعجلْ ، اوصلها إلى منزلها ليلا” وهو يَشدُو بأغنية حليم بحبها، وهي كانت تضحك من طفولته المُلهمة، تصافحا وذهب كل منهم في طريقه، آتى الصباح ولم يُحَادثَها كعادته، ومَرَ اليوم كاملا” ولم تسمع منه خبرا”، تَمَلكْ منها القلق وهاتفته ليلا”، أين أنت لعلك بخير ؟! وجدته في الكلام يَتلعثمْ و يَتهربْ، فَطَنتْ وسألته مباشرة”، ماذا حدث لك بالأمس أخبرني ؟! قال لها عندما تركتك ليلا” ذهبت إلى منزلي سيرا”، كُنتْ فرحا” وقلبي يتراقص على أنغام الموسيقى، وفجأة ظَهرتْ عشرة كلاب مُفترسة من العَدمْ ولاحقوني بأنياب شرسة، عَدَوتْ بسرعة وأنفاسي كادت أنْ تُنهى، إلى أنْ وصلت إلى باب مسجد، جَلستْ على اعتابه فأختفوا مثلما ظهروا من العَدمْ فجأة، اعذُريني لا استطيع أن اُكملْ معكِ الطريق، إنْ أردتي أكُنْ صديق ولكن لا استطيع أنْ اكُنْ حبيب، ضحكت وقالت له، و نَعْمً الصديق، لم تعبأ فهو لا يعني لقلبها شئ..
عادت إلى روتينها وتوالت الأيام، إلى أن جاء اليوم المُنْتَظرْ، أتى من طَرقَ باب القلب واحتله و تَملكْ كل ما بها وأصبح القلب بأمره يُؤتمر، كان المُنقذْ وكان الهلاك في نفس ذات الوقت !!
عَشقتُه عشق لم يَعلمُه بشر، كان عالم بأسرار الجَنً وبَسطَ يده إليها، بدأو سويا” رحلة علاج طويلة للتخلص من ذاك اللعين، عانت كثيرا” وتحملت آلآم لا تُحتملْ ،كل مرحلة من التخلص منه كانت تنزف دما”، أَهلكَ جسدها وما كان يُريد مغادرته مُطلقا”، حرب شرسة خاضتها ونجحت بإرادتها التي لا تُقهر ، غادر جسدها ذاك اللعين، و لكنه ما زال يحوم حولها، ترك جسدها وتَلَبَسْ كل ما يُحيط بها، ما زال لا يسمح لها بأن تكون مع من عشقه قلبها، ما زال يحاربه ويؤذيه بكل الطرق، يطرحه أرضا”، أدْمَاهْ بكل الصور وقلبها ما عاد يَحتملْ، اَنْتحبتْ ليالي كثيرة وكثيرة إلى أن أتت ليلة وأخذت قرار لا رجعة فيه ، سَاُحررْ من عشقته من أسري، لن أقبل بأن يتحمل الأذى بسببي..
حين إنتصف الليل، تَحدثتْ إلى ذاك اللعين وعَقدتْ معهُ صفقة، ستترك من حبه سَرىَ بها سريان الدم في الوريد، وشَرطتْ عليه أن يتركه لحال سبيله ولا يؤذيه من جديد، لنْ تكون له ولنْ يكون هناك عاشق جديد، ستمضي ما بقى من سنوات عمرها في وحدتها، وافقها ذاك اللعين وقال لها، أَعلمْ أنكِ لنْ تسلمي أيضا” لي، حاولت كثيرا” معكِ وفَشلتْ، ولكن يكفيني أنكِ لن تكوني لغيري، فأنا لا اتحمل أنْ يقترب منكِ بشر..

‫شاهد أيضًا‬

أيمن بكري يكتب أُسس التوافق و الخلاف الأسري

بقلم / أيمن بكري  تمعنت كثيراً في الحقب الزمنية المختلفة مقارناً بين سلوكيات العامة في الع…