بقلم/ أبو الغيط زيان 

حينما تكون دموع الضحايا بريئة من عيون بعض الأطباء ،وحينما يصبح الضمير الإنسانى عنواناً للمال والجاه ،وحينما يأخذ القدر السيئ نصيبه من جسد الفقراء والمحتاجين والمرضى والمصابين ،وحينما لا تفتح أبواب الطب المغلقة إلا في وجه الأغنياء وأصحاب النفوذ،وحينما تبكى الأطفال، وتتألم قلوب الأمهات عظيمات مصر ،وحينما ينزف الدم الأحمر من شرايين وعروق الكفاح للفلاحين والمزارعين وأبناء القرية الكادحة ،وحينما تلد الأم أبنائها على الطريق الطويل المليئ بالأحجار ومطبات القدر ،والليالي المظلمة التي يصاحبها قمر خائن لسمائها الصافية بلا نجوم زاهية ،سحابها مليئة بالأمطار ،وقتها لا نرى إلا سائق السيارة السريعة التي لا تنتظر ولو دقيقة حتى لا يموت الجنين ،ولا تقع الأم العظيمة الصابرة ضحية للإهمال ،وحينما تكون سجلات الدفاتر البيضاء ملاذاً للتسجيل ،والشطب ،والاستقالة،يكون فيها الحضور متأخراً ،والانصراف عن العمل الإنسانى سريعاً مطلقاً حراً بين أجنحة الوقاحة والاهمال ،وحينما لا يتذكر البعض من الأطباء القسم الذي أقسم عليه أثناء تخرجه منذ سنوات طويلة بأن “الطب حياة ونجاة وعمل إنساني ” وقتها نعلم أننا بالفعل داخل الوحدة الصحية بقرية العمار .

إنها قرية الكفاح والنضال والعزيمة والإصرار ،على تحقيق السبل المشروعة والتى يكفلها لهم القانون ،فقرية العمار هي إحدى قرى مركز سيدى سالم بمحافظة كفر الشيخ ،والتي يبلغ تعداد سكانها حوالى ما يقرب من خمسة عشر ألفا مواطناً مصرياً ،برجالها وأطفالها ونسائها ،لم يتوقعوا يوماً أن تتخاذل أحلامهم الطبية في فلذات أكبادهم حينما يدخلون الوحدة الصحية بقرية العمار ،وسريعاً ما تتحقق هذه الأحلام الخادعة إلى واقع أليم ومرير ،ودموع بريئة فى عيون وقحة داخل الوحدة الصحية بقرية العمار التابعة لمركز سيدى سالم بمحافظة كفر الشيخ،تلك الوحدة الصحية المليئة بالمرضى من أطفال ونساء ورجال وشباب ،ولكن فى الوقت الذى نجد المرضى لا نرى الأطباء ،فى الوقت الذى نجد الأجهزة الطبية والتى ينقصها الكثير لا نجد الممرضين ،فى الوقت الذي نجد فيه الدرجات النارية “الموتوسيكل “داخل الحرم الطبى لهذه المنشأة الطبية لا نرى الحارس الأمين الذى لم نعرف حتى الأن ،فى الوقت الذى تنتظر سيارات الكارو الخشبية المحملة بالأطفال والمرأة المسنة العجوز المريضة التي لا تتحمل حرارة الشمس القاسية ،تلك السيارة ذات الطابع الكلاسيكى تجرها دابة المزارعين والفلاحين التى نتشرف بأننا من أبنائهم وكأنها تنادى بصوت عالي أين الأطباء؟أين الأطقم الطبية ؟أين الموظفين الإداريين ؟ أين الحارس الأمين ؟

إنها الوحدة الصحية بقرية العمار التابعة لمركز سيدي سالم بمحافظة كفر الشيخ والتى أصبحت الأن مهمشة تماماً من الأطباء ،والواقع أشد مرارة حينما تدخل من شرفات الوحدة الصحية فتسأل أين الطبيب ؟لا ندرى ،لسا مجاش ،تعبان شوية ،بيعتذر عن عدم قدومه اليوم ،أتفضل يا فندم الممرض موجود يقدر يكشف على طفلك ،ولكن الفاجعة الحقيقية أنه قد توفى الطفل فى الحال ،وتوفي الشيخ المسن فى الحال ،وتوفي الشاب أل عمل حادثة فى الحال ، أنه الوقت والطبيب الغائب عن ضميره الإنساني الذى أصبح مصير أرواح وأقدار الأطفال، والشباب ،والشيوخ المسنة بقرية العمار ،وأين الطبيب ؟ غير موجود بالخدمة .

تلك الخدمة التى نراها فى وحدات صحية أخرى وفى القري والمراكز المجاورة مثالا يحتذى به من أطباء ،وأطقم طبية من ممرضين وموظفين إداريين ،وحتى الحارس الأمين والذي تراه متجردا من هذا الجلباب الأبيض الذى أصبح هو الأخر ملك الموت لأطفالنا وشبابنا وشيوخنا المسنة بقرية العمار ،فيا ليتنا نرى ملائكة الرحمة التى تعودنا عليها منذ القدم ونحن أطفال الأن ،بل نرى الأن ملائكة العذاب ،التى تغيب عن عالم الطب الأنسانى ،فتصبح دموع أطفالنا البريئة تتساقط من عيون وقحة لا ترحم حتى الأموات ،فتقوم بنقلهم إلى المستشفى العام بسيدى سالم ،ومن هنا تطالب صرخات هؤلاء الأطفال الأبرياء بقرية العمار وعيونهم الباكية ليلا ونهارا كل من معالى السيد محافظ كفر الشيخ سيادة اللواء جمال نور الدين ،ووكيل وزارة الصحة بكفر الشيخ ،والمسؤلين بالصحة بمركز سيدى سالم ،بالنظرة الإنسانية لمرضى قرية العمار والقرى المجاورة لها بالتدخل السريع لتوفير أطباء للوحدة الصحية بقرية العمار التابعة لمركز سيدى سالم بمحافظة كفر الشيخ،كما نطالب بالتدخل الفوري والعاجل بتوفير كمية كبيرة من الأجهزة الطبية والأدوية التى تسع أهالينا بقرية العمار وتوفر لهم كامل الرعاية الصحية ،وهنا أناشد كل طبيب يغيب دائما عن المرضى ،وكل ممرض ومسؤول ما عليه إلا تسجيل الحضور والانصراف ،والحارس الأمين والذي ما عليه إلا كلمات ينطقها للمرضى بلسان متكرر الطبيب غير موجود بالخدمة ،

أذكركم بقوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم

{ وَٱتَّقُوا۟ یَوۡمࣰا تُرۡجَعُونَ فِیهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسࣲ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ }
[Surah AlBaqarah: 281] صدق الله العظيم 

 

‫شاهد أيضًا‬

أيمن بكري يكتب أُسس التوافق و الخلاف الأسري

بقلم / أيمن بكري  تمعنت كثيراً في الحقب الزمنية المختلفة مقارناً بين سلوكيات العامة في الع…