تقول المصادر التاريخية الموثقة، لما ضعف ملوك الأسرة الثالثة عشرة، وتفككت البلاد من جراء ما نشب بين أمراء الأقاليم، من نزاع وحروب مستمرة، أغار على مصر قوم آسيويون، إختلفت آراء المؤرخين في تحديد أصلهم، وتباينت آراؤهم في أسباب إطلاق اسم (الهكسوس) على هؤلاء القوم.

فمن المؤرخين من يقول إن كلمة هكسوس معناها (حكام الرعاة)، إذ تتكون الكلمة من شقين (هك) ومعناها في اللغة الهيروغليفية القديمة (ملك)، والشق الثاني (سوس) أي راعي، وتكتب هكذا Hyksos، ويقول المؤرخون الذين تبنوا هذا الرأي أن المصريين القدماء هم الذين أطلقوا هذا الإسم عليهم بل و زادوا على ذلك بأن وصفوهم برابرة وكفار؛ لأنهم لما غزوا مصر خربوا المعابد وقتلوا النساء والأطفال، وعاملوا الناس بقسوة ووحشية.

ويقول بعض المؤرخين أنه من المرجح أن هؤلاء القوم ساميون من العرب أو فينيقيون، كانوا يحكمون سوريا وفلسطين، ثم غزوا مصر وحكموها، وقد أشار إلى ذلك أحد ملوك هؤلاء القوم، إذ دوَّن إسمه وكلمة أخرى قريبة الشبه في نطقها بكلمة (سوس) sos، ومعناها الأقطار، وعليه يمكن القول بأن كلمة (هكسوس) معناها (حاكم الأقطار).

ثم يقول كتاب (تاريخ مصر القديمة – للصف الأول الثانوي) والذي أصدرته وزارة المعارف المصرية سنة ١٩٥١م كمنهج للتاريخ: [وكان الهكسوس يفوقون المصريين في فنون الحرب، بمعرفتهم بالعجلات الحربية، التي كانت تجرها الخيول، التي لم تكن معروفة في مصر وقتئذ، فتخترق صفوف المشاة، وكان لهذا التفوق أثر كبير في هزيمة المصريين، وإستولى الهكسوس على مصر بسهولة، وقد ساعدهم على ذلك، ما كانت عليه من ضعف وإنحلال بسبب الفتن والحروب الداخلية، وقد إتخذ الهكسوس (أفاريس) عاصمة لهم لتكون وسط أملاكهم في مصر وسوريا] ..

ثم يستطرد نفس المصدر ويقول على مدينة (أفاريس) هذه: (مكانها غير معلوم بالضبط، ومن المرجح أن يكون في شرق الدلتا، قرب بحيرة المنزلة، ولم يبق من آثارها شيء، حتى يتعذر تحديد موقعها؛ لأن المصريين دمروها بعد أن طردوا الهكسوس من بلادهم، وكذلك فعلوا بكل ما خلفوه من آثار، إنتقامًا منهم وكراهية لهم) أ.هـ.

ولنلاحظ أيضًا أن مدينة (رعمسيس) التوراتية المزعومة لا أثر لها على الإطلاق، مما يخالف الأنماط المعمارية الضخمة والراسخة التي سادت عصر الرعامسة، وآثارهم تشهد عليها، ولعل كاتبي التوراة قصدوا مدينة (بر رمسيس) التي إكتشفت لها بعض الأطلال التاريخية، وثبت أنها أقيمت فوق أنقاض وأطلال مدينة (أفاريس) أو (أواريس) بالضبط.

ويبدو أنه عند كتابة التوراة في زمن الأسر البابلي وبعد تلك الأحداث بزمن طويل، أن المدينة التي كانت موجودة بالفعل في هذا الموقع هي مدينة (بر رمسيس)، مما دعا كاتبو التوراة لإدراج إسمها بدل الإسم التاريخي الحقيقي للمدينة الموجودة في زمان وقوع الأحداث وهي مدينة (أفاريس) أو (أواريس).

وبناءً عليه نستنتج من تطابق الموقع بين المدينتين، أنه يشير لحقيقة واحدة ألا وهي أن مدينة (رعمسيس) هي نفسها مدينة (أفاريس).

وللحديث بقية

اترك رد

‫شاهد أيضًا‬

أيمن بكري يكتب أُسس التوافق و الخلاف الأسري

بقلم / أيمن بكري  تمعنت كثيراً في الحقب الزمنية المختلفة مقارناً بين سلوكيات العامة في الع…