الإسلام شريعة الله في الأرض، والمنهج الذي ارتضاه الله لعباده، ليوجه رؤاهم ويرسم خطاهم بغير مغالاة ودون إسفاف، فهو قاعدة الاعتدال التي منها تُرفع البنايات المشيدة والقلاع الحصينة .

والإسلام – بذلك – ينظم – العلاقات بين العباد جميعًا بنصوص تقبلها الفطرة السوية السليمة، وتحترمها النفس المتحضرة بصرف النظر عن دينها ومعتقدها، لأن أفكار الإسلام تخاطب القلوب والعقول بهدف التعايش في أمن وطمأنينة وسلام بين مختلف التعدديات، لذا فالأفكار المتطرفة هي دخيله على دين كرّم الإنسان، وفِقْه العنف والإرهاب ديننا منه براء، لذا فلا يمكن لعاقل – يتدبر آيات الله تعالى – أن يُقر بماذهب إليه أبوالأعلى المودودي في كتابه الموسوم “الحكومة الإسلامية”، ولا بما اعتمده بعض الجماعات  من أفكار التطرف والإرهاب التي ساهمت في نشأة العنف الذي يعد خروجاً عن الدين

فهؤلاء ينكرون مسمى الوطن، فهو – من وجهة نظرهم – ليس سوى حفنة من التراب  فى حين أن الإسلام اعترف بالشعوبية والقبلية وآمن بحقوق الجميع المؤيدين له والنائين عنه والكافرين به، رافعًا رايات الحرية

قال تعالى :

{ يٰٓأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثٰى وَجَعَلْنٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقٰىكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [ سورة الحجرات : 13 ]

{ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ }[ سورة الكافرون : 6 ]

{ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ }[ سورة الغاشية : 22 ]

{ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَءَامَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتّٰى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [ سورة يونس : 99 ]

ولم يأمر هذا الدين القيم أحدًا من أنصاره بأن يرفع السلاح في وجه أحدٍ إلا دفاعًا عن النفس والمال والعِرض، فالعيش الآمن هو الهدف الرئيس لدين وضع شرائع للأنام ولا يريد منهم سوى عدم الإفساد وسفك الدماء، أما حرية العقيدة فهي حق للجميع يحاسب الله وحده خلقَه عليها

قال تعالى :

{ أَمْ لَهُمْ شُرَكٰٓؤُا شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنۢ بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظّٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[ سورة الشورى : 21 ]

أما الذين يتبنون مواقف الإرهاب باسم الدعوة إلى الإسلام فأقوالهم وأفعالهم مردودة عليها، ولنا في دعوة الأنبياء – إلى الله – أسوة حسنة وقدوة طيبة ومثالًا يُحتذى به، والقرآن يصف العلاقة بين الأنبياء وأقوامهم بـ الأخُوَّة ..

قال تعالى:

{ وَإِلٰى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صٰلِحًا ۗ قَالَ يٰقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلٰهٍ غَيْرُهُۥ ۖ قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ هٰذِهِۦ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً ۖ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِىٓ أَرْضِ اللَّهِ ۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[ سورة الأعراف : 73 ]

{ وَإِلٰى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يٰقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلٰهٍ غَيْرُهُۥٓ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ } [ سورة الأعراف : 65 ]

{ وَإِلٰى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يٰقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلٰهٍ غَيْرُهُۥ ۖ قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلٰحِهَا ۚ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
[ سورة الأعراف : 85 ]

فنُوحٌ ( ع ) في إطار دعوته القائمة على إعمال العقل وإعلاء شأنه يقول لقومه:

{ مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمٰوٰتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) }
[ سورة نوح : 13 الى 16 ]

وها هو إبراهيم ( ع ) الذي أتاه الله الحُجّة يدعو أباه إلى الدين القيم بلين ورفق وحسن خُلُق

قال تعالى :

{ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يٰٓأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِى عَنكَ شَيْـًٔا }[ سورة مريم : 42 ]

وفي إقامته للحجة الدامغة على سلوك النمروذ يقول له إبراهيم:

قال تعالى :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِى حَآجَّ إِبْرٰهِۦمَ فِى رَبِّهِۦٓ أَنْ ءَاتٰىهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرٰهِۦمُ رَبِّىَ الَّذِى يُحْىِۦ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا۠ أُحْىِۦ وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرٰهِۦمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِى بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظّٰلِمِينَ } [ سورة البقرة : 258 ]

ويوسف الصديق ( ع ) يرفع لافتة عريضة أمام مخالفيه في الدين

قال تعالى :

{ يٰصٰىحِبَىِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوٰحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطٰنٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا إِلَّآ إِيَّاهُ ۚ ذٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) } [ سورة يوسف : 39 الى 40 ]

 

وموسى وهارون (ع ) يحدد لهما الله أسس الدعوة كما ينبغي أن تكون ويذهب موسى وأخيه إلى فرعون بأمر من الله

قال تعالى :

{ اذْهَبَآ إِلٰى فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغٰى (43) فَقُولَا لَهُۥ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشٰى (44) }[ سورة طه : 43 الى 44 ]

{ فَأْتِيَاهُ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِىٓ إِسْرٰٓءِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنٰكَ بِـَٔايَةٍ مِّن رَّبِّكَ ۖ وَالسَّلٰمُ عَلٰى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدٰىٓ } [ سورة طه : 47 ]

ونلاحظ هنا أن الدعوة إلى الله كانت تلميحًا ( أنا رسول ربك ) بينما الحرص على كرامة بني الإنسان كانت تصريحًا ( ولا تعذبهم) .

أما دعوة المعلم الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) فلها خصوصية جامعة شاملة، ويكفي هنا أن نذكر منطلقاتها بعيدًا عن الإسهاب الذي لا تتسع المساحة له، فقد انطلقت دعوته من قواعد أساسية ثلاث، أما الأولى فهي قاعدة الأخلاق فقد امتدحه ربه قائلًا:

قال تعالى :

{ وَإِنَّكَ لَعَلٰى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ سورة القلم : 4 ]

وأما الثانية فهي قاعدة اللين ورقة القلب

قال تعالى :

{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }[ سورة آل عمران : 159 ]

والثالثة قاعدة البصيرة

قال تعالى :

{ قُلْ هٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓا إِلَى اللَّهِ ۚ عَلٰى بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ اتَّبَعَنِى ۖ وَسُبْحٰنَ اللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }
[ سورة يوسف : 108 ]

فإذا كان الإسلام كذلك في تبيانه لطبيعة العلاقات بين الخلق ووضع ما يحكمها من قوانين، ليسود الاحترام بين الناس على مختلف معتقداتهم، وهو الاحترام الذي نعني به عدم الاعتداء أو التهكم أو التراشق بالكلمات

قال تعالى :

{ وَقٰتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقٰتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } [ سورة البقرة : 190 ]

{ يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسٰىٓ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسٰىٓ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوٓا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقٰبِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمٰنِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولٰٓئِكَ هُمُ الظّٰلِمُونَ }
[ سورة الحجرات : 11 ]

وكلها حفظ لإنسان كرمه الله فصان له حقوقه، وكفل له معيشته، وأمر باحترامه ونهى عن تنكيله وإيذائه، والآخر الذي نقصده ليس هو المختلف معك في المعتقد أو الدين أو القبيلة أو غيره، بل قد يكون الآخر هو أنت، فالصراعات التي تنشب بدواخلنا نتيجة لظروف خارجية أو كيمياء داخلية تدخل فيها النفس المطمئنة لتطفئ جذوتها المستعرة لأن في مقابل النفس المطمئنة /العاقلة أنفس أخرى كالنفس الآمرة بالشر والتي لا يطيب لها أن تعطي مما رزقها الله واللوامة التي هي دائمة الاعتراض على ما يصدر من النفس الأمارة بالسوء . وهنا لابد – وفي أوج هذا الصراع الداخلي – عدم المغالاة في لوم الإنسان لذاته لكي لا يستحيل عدوانًا يقتل فيه الإنسان ذاته…

قال تعالى :

{ وَمَآ أُبَرِّئُ نَفْسِىٓ ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌۢ بِالسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّىٓ ۚ إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ سورة يوسف : 53 ]

{ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنۢ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا }[ سورة النساء : 128 ]

{ يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوٓا أَمْوٰلَكُم بَيْنَكُم بِالْبٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجٰرَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوٓا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [ سورة النساء : 29 ]

هذا هو ميزان السماء كما وضعه الخالق

قال تعالى :

{ وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ }[ سورة الرحمن : 7 ]

 

وهو ميزان يهدف إلى تحقيق العدل في الأرض، والمساواة بين الناس واحترامهم جميعًا، لأنه لا يحق لأحد أن يحاسب أحدًا ، فالحساب بيد الله وحده ، وهو – سبحانه – الذي يفصل بين الخلائق في الآخرة ، ويقتص – بعدله – ممن يشاء في الدنيا ، ليعتدل الميزان الذي يسعى البعض إلى تطفيفه بغية أهواء لا علاقة لها بشرائع السماء ولا بقوانين الأرض .

محمود قنديل 

اترك رد

‫شاهد أيضًا‬

أيمن بكري يكتب أُسس التوافق و الخلاف الأسري

بقلم / أيمن بكري  تمعنت كثيراً في الحقب الزمنية المختلفة مقارناً بين سلوكيات العامة في الع…