بقلم /نورهان جمال 

منذ صغرى وانا اسمع جملة ان الجيران لم يعودو مثل ايام زمان و أصبحت العلاقات سطحية وفاترة وان هناك دفئاً لم يعد موجود

لا اعلم لم اقابل تلك المشاعر من قبل ولا افهم مايقصدون ولكن اتذكر ذاك الرجل في صغرى كان أحد الجيران كان صديق جدى قصير القامة ونصف أصلع ويمتلك شارباً سميكاً وخشناً كنت اشعر بشاربه هذا حين يقبلني 

أتذكر أن أول جملة غزلاً صريح سمعتها عني كانت منه كان يناديني هكذا “انتِ أيتها الفتاة البيضاء تعالي الي هنا” وكأي فتاة مهذبة كنت اذهب اليه بالطبع ولكن حتى الآن لا اعلم سر مناداته لي بذلك اللقب هل لون بشرتي فاتح الى تلك الدرجة!؟ لم انتبه الى ذلك من قبل 

 لا اتذكره جيداً لكنه كان رجلاً طريف وكنت اتعجب كثيراً من شاربه وكان دائماً يعطيني حلوى ولكن سمعت ان هو مشهوراً بذلك، حين يسافر لأي مكان كان يحب ان يأتي دائماً بأي شئ من ذاك المكان لكل جيرانه 

فى عاماً من الأعوام افتتح بقالة قريبة من منزلنا كنت عندما اسير مع أمي في الشارع التي توجد به البقاله كان دائماً يناديني ويدخلني الدكان ويقولى لى “امامك جميع الحلوى اختاري ما تحبين ” 

كانت أمي تحذرني دائماً أن اختار أقلهم ثمناً لا أظن انني كنت اكترث بالثمن جميعهم حلوى ولا اظن انه كان يكترث ان اختارت اغلاهم فقطعتي لن تفلسه ، ولتجنب ذلك الأحراج كنا أحياناً نسير من شارع اخر حتى لا يرانا وياللعجب كان يكون فى انتظارنا ويلمحنا من بعيد ويهرول فى اتجاهنا لكى يعطينى الحلوى وأيضاً كان يعاتب امي لتجنبها السير من امامه 

كنت اذهل واتعجب من ذلك الرجل ما تلك التصرفات العجيبة؟! حين كبرت علمت ان تلك التصرفات ناتجة عن صفات وهى العطف والكرم 

اظن انها صفات نادرة الآن واظننى امتلكها هل يعقل انني اكتسبتها منه؟! 

لا اتذكر شئ بعد ذلك ولا اتذكر اخر مرة فى صغري رأيته و مع مرور السنوات وكبري كان الادراك يزداد وعرفت عنه أكثر كان رجلاً عاملاً لايمتلك وظيفة ثابتة يمكن ان يكون حالتة كما يقال مستورة 

 وسمعت ان احد ابناءه أصبح معيداً بكلية الهندسة لقد قابلت زوجته في احدى المناسبات لم اتعرف عليها كانت مألوفة جداً بالنسبة لي لكننى لم أتذكرها كانت تنظر إلي بذهول ان تلك الصغيره اصبحت بذلك الطول والجمال وعلى الرغم من انني كنت لا اتذكرها ولكنني كنت على وشك البكاء وقتها وتماسكت عندما سمعت منها تلك الجملة لماذا شعرت بكل ذلك الالم لا اعلم !

لقد سمعت بعد ذلك بمرضه كان مريضاً بورم دماغى مرضاً شديد الصعوبة لا امل في النجاة منه ورفض إجراء اى عمليه لأستئصال الورم ، قالوا ان شكله بسبب المرض تغير تماماً أظننى لمحته مرة جالساً وانا عائدة من الجامعة ولكننى كنت جبانة لألتفت لكي اتأكد انه هو أو لا كنت لا أريد أن أراه بهذا الشكل 

بعدها بعدة ايام سمعت جرس الهاتف انا اعلم شعورى اتجاه ذلك الجرس بالتحديد منذ كان عمرى فى الحادية عشر انه جرس انباء حالات الموت ..

 

 نعم كان خبر وفاته

 ‏

 ‏ طوال المكالمة تظاهرت بالنوم وبعدها أفقت وخرجت لمكان اكون فيه وحدي لكي أبكي ،بكيت كثيراً لا أعلم لماذا وكيف أتى كل هذا البكاء! عادةً لا استوعب الموت من الأساس لأبكي بسببه ولا أظننى استوعبت وقتها انتهيت وعدت الى ذلك الجمود المعروف عني وأخبرتنى أمي عن وفاته وهي تبكي لم اعطى اي ردة فعل تعجبت كثيراً بالتاكيد اعتقدت انني لا امتلك مشاعر واكملت تظاهري بالامبالاه ..

 ‏

 ‏متى بدأت اخفي مشاعري بتلك الطريقة لا اعلم…

لا أتذكر شئ ولا اريد أن أتذكر ..

هل يمكن أن يكون ذلك نوعاً من انواع الأورام التى لا علاج لها؟ .. ربما !!

 ‏

‫شاهد أيضًا‬

أيمن بكري يكتب أُسس التوافق و الخلاف الأسري

بقلم / أيمن بكري  تمعنت كثيراً في الحقب الزمنية المختلفة مقارناً بين سلوكيات العامة في الع…