بقلم/أحمد حسن 

تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن أحياناً وتجبرك على أن ترسي بنفسك في مواني قد لا تمثلك وقد تفقد شغفك مهما قابلت من مغريات وملذات تشتهيها النفس في أوقات تحتاج فيها إلى السعادة والاستمتاع بالحياة القصيرة.

إن ما نمر به من مراحل الحياة من مشقات وصعاب وفقد كيانات واشخاص هم الأروع إلى أن تبقى مجرد ذكريات في الأذهان هنا يتولد شعور الوحدة حتى ولو أمتلئت الدنيا من حولك من البشر فالغربة شعور صعب وما تحمله الكلمة من معاني وكأنك ولدت في مكان غريب صعب العيش فيه أو بعثت من جديد بعد موت ورجعت في زمن غريب أيضاً قد يأتيك هذا الإحساس حتى ولو كنت في عقر دارك وانت لا تدري قد تشعر به غالباً عند فقد الأعزاء وتخاذل بعضهم وانشغالهم عنك بل قد يصل الأمر إلى حد الفراق تحت أي عنوان يناسب الجميع. 

حديثي عن مشاعر واحاسيس دافئة تحمل في طياتها الشعور بالحب والعطاء بدون مقابل كفقد يد صديق كان يدعمك يعطيك كل ما يملك من مشاعر صادقة تهون عليك تلك الأحداث فهو بمثابة دواء لقلبك وقت المحن والاوقات العصيبة فكان لقاءك به هو المخرج والملاذ الذي تلجأ إليه عندما ينتابك هذا الشعور القاسي بالغربه.

تمر علينا بعض تلك المواقف الصادمة أذكر منها على سيبل المثال عند موت الكبير والسند عند موت (كبير العائلة) تجد الأحوال تتبدل والوجوه تعبث وتتغير وكأنهم كانوا على إستعداد لذلك التغيير فيتعمق لديك ذلك الشعور فتفقد كل شيء في وقت سريع َوبدون أي مبررات مقنعة وتجد نفسك وحيداً بعد وحدة أخرى عندما تعي معني الحياة والنفوس وتتكشف الوجوه وتسقط أقنعة زائفة إلى أن ينتهي بك الحال إلى إنعدام الثقة في الجميع فلا تجد سوى تلك الغربة تؤنسك وترأف بما مررت به إلى ان تصبح صاحبه.

وهنا أتذكر مقوله للخال الأبنودي ( وغربتي صحبتي بتحوم حواليا) عندما أبدع في التشبيه فالغربه أكثر حناناً أحياناً من بعض البشر و المواقف التي تصعب عليك مواجهتها فربما قد تصاحب غربتك فهي حقيقة لا ترتدي أي أقنعة مهما كانت قسوتها.

قد نقابل أشخاص وجوههم شاحبة لا يستطيع وجههم رسم البسمات ولا يستطيعوا إخراج الضحكات من حناجرهم نصف هؤلاء بالكئابه والانطوائية وجعلهم رمز أو حتى ( ايموجي) لوجه عابث لا يجيد الحديث ولا يسترسل في سرد روياته الخاصة عندما نحتاج لسماع القصص اليومية للتسلية ولمجرد قضاء بعض الأوقات في الأماكن المفضلة نجد هؤلاء غير مهتمين بالأحاديث التي لا تخصهم وقد تحدث أحدهم في حوار طويل فلا تجد من يبادرك من ردة فعل صائبة فهو في مجرة أخرى ..

وقد لا يتذكر من كلماتك سوا التي قد تنبه بها عندما تجده غارقاً في عالمه الخاص هنا تدرك أنه لا يبالي ويطلب منك إعادة حديثك من البداية فلا جدوى من الإعادة فهو يحتاج إلى الحديث عن نفسه ولكن ما فائدة الكلمات التي قد يلقيها عليك سوي زيادة الجروح بداخله وهو يؤمن بأنك لن تستطيع أن ترشده إلى الطريق الذي فقده للعودة من منفاه و ما يداوي به تلك الجراح فيفضل غربته أيضاً فهي تفهمه جيداً وتعطيه ما يشفي أسقامه ويثلج صدره.

فرفقاً بهؤلاء وكن على حذر فهم على أتم الإستعداد بالمغادرة سريعاً فهم يحملون حقائب أشبه بتلك الخيم أو معسكرات الإيواء عندما تجيرك الحروب على أن تسكنها فهم بلا وطن. 

قد تعيش بالمنفى وانت في وطنك ومنزلك بل ووسط أحبابك واذ كنت على غير ذلك فهي نعمة تستدعي الحمد والشكر لله فالغربة إبتلاء عندما تتكون بداخلك ولكنها تصنع من البشر من هم أقوى واذكي فهم يواجهون تلك الحياة بمفردهم بدون دعم من أحد ولا يطلبون ذلك الدعم فقد خذلهم من هم أقرب ودعمهم وطنهم الغريب.

‫شاهد أيضًا‬

أيمن بكري يكتب أُسس التوافق و الخلاف الأسري

بقلم / أيمن بكري  تمعنت كثيراً في الحقب الزمنية المختلفة مقارناً بين سلوكيات العامة في الع…