مراعاة مشاعر الآخرين

لا شك أن حياة الإنسان لا تستقيم ولا يكون لها معنى بدون الطاقة العاطفية، فهي العاطفة والحب، والإحساس بالحب وبأنك محبوب هي من أهم احتياجات الإنسان بعد البقاء، كذلك التعاطف وهو شكل من أشكال العطاء والقدرة على فهم ومشاركة مشاعر الأخرين بالتراحم والود والإحسان، فعندما تتعاطف مع الآخرين فإنك تشعرهم بالراحة إتجاه أنفسهم وتخفف من وطأة مشاكلهم، وفي الوقت نفسه تقوي من علاقتك وصلتك بالأشخاص المحيطين بك.

وتكمن أهمية مراعاة مشاعر الآخرين في أن جرح الجسد يظهر أثره وبشكل واضح على الإنسان، لكنّ جرح المشاعر يكون في النفس بعيداً عن المشاهدة، وهو أشد إيلاماً وأقسى وقعاً، ولكي تشعر بغيرك وتقدر مشاعره تجاه موقف ما، يجب عليك أولاً أن تضع نفسك مكانه، وتدرك الموقف وعمق مشاعره، ثم تُظهر إهتمامك وإحتوائك وتقديرك لمشاعره.

ومراعاة شعور الآخرين تشمل العديد من المواقف ليس فقط إدراكك وفهمك للحدث الذي يمر به، بل أيضاً مراعاتك لمشاعره وإحساسه حين إلقائك لبعض الكلمات له، فحرصك على اختيار كلماتك وحرصك على اللين والرحمة في التعامل هو أيضا من تقدير ومراعاة المشاعر، فسواء كُنت مسئول أو مرؤوس، غني أو فقير، كبير أو صغير يجب عليك مراعاة وتقدير مشاعر الأخرين أي كانوا، فإحترامك للناس وتقديرك للمشاعرهم يكسبك محبتهم، ولا يفقدك مهابتك.

ولنا في السيرة النبوية الشريفة عبرة ونماذج رائعة في مراعاة مشاعر الآخرين، ومن تلك النماذج

– وعنه صلى الله عليه وسلم حين قال:

“أُمَّ قومَكَ، فمنْ أمَّ قومَه فليُخَفَّفْ فإن فيهم الكبيرَ وإن فيهم المريضَ وإن فيهم الضعيفَ وإن فيهم ذا الحاجة، وإذا صلى أحدُكم وحدَه فليُصَلِّ كيفَ شاءَ”. الراوي : عثمان بن أبي العاص الثقفي | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع

– وفي مراعاة شعور أصحاب العاهات والأمراض قال صلى الله عليه وسلم:

” لا تديموا النظر إلى المجذومين” الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة

 ولذلك الذكر الوارد في رؤية المبتلى وهو “الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً” لا يقال جهراً؛ لئلا يحرج صاحب العاهة، بل يُسر في نفسه.

– وأيضا مراعاة مشاعرالسائل، فقد أوصي الله سبحانه وتعالي عباده المؤمنين:

(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تُبۡطِلُوا۟ صَدَقَـٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِی یُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَاۤءَ ٱلنَّاسِ وَلَا یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۖ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفۡوَانٍ عَلَیۡهِ تُرَابࣱ فَأَصَابَهُۥ وَابِلࣱ فَتَرَكَهُۥ صَلۡدࣰاۖ لَّا یَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَیۡءࣲ مِّمَّا كَسَبُوا۟ۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ)
[Surah Al-Baqarah 264]

، فيجب ألا يكون العطاء بالمنّ والأذي، فعن أبي ذَرٍّ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:

“ثلاثة لا يُكَلّمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إِليهم، ولا يُزَكِّيهم، ولهم عذاب ألِيم، قال: فقرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مِرارٍ، قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: الْمُسْبِلُ والمَنَّانُ والمُنْفِقُ سلعته بالحلف الكاذب”.

– وفي مراعاة مشاعر الناس وأحاسيسهم ما يزيد في الود ويؤلف بين القلوب؛ فقد لا ينسى أحدُنا موقفاً لشخص ما راعى فيه مشاعره وشاركه أحاسيسه

فحينما تخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك ثم تاب الله عليه، وآذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتوبة الله عليه وعلى من معه حين صلى الفجر، يقول كعب:

“فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنؤوني بالتوبة، يقولون لِتَهْنِك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس حوله الناس، فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام رجل إلى من المهاجرين غيره، لا أنساها لطلحة”.

– وأيضا حين رأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ناراً موقدة ذات ليلة وهو يتفقد طرقات المدينة، فنادي: “يا أهل الضوء”، وكره إن يناديهم “يا أهل النار” مراعاة لمشاعرهم.

وختاماً “إبسط وجهك للناس تكسب ودهم، وألن لهم الكلام يحبوك، وتواضع لهم يجلوك”.

💐 دمتم سالمين ومُتراحمين 💐

✍🏻 بقلم:- بسمة باشا.

‫شاهد أيضًا‬

أيمن بكري يكتب أُسس التوافق و الخلاف الأسري

بقلم / أيمن بكري  تمعنت كثيراً في الحقب الزمنية المختلفة مقارناً بين سلوكيات العامة في الع…